التواصل الحضري التاريخي المعماري
الصناعات التقليدية
العمارة السكنية والفضاءات الثقافية
تعايش ديني حضري تاريخي
المتاحف وصفاقس والبحر‎
اكتشف

الزيت والزيتون

اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ (النور، 35) لقد أثبت علم دراسة المتحجرات أن شجر الزبوس وهو الزيتون البري (الجالي) كان موجودا بتونس منذ الألف الثانية عشرة قبل الميلاد، وأن أسلافنا اللوبيين والنوميديين كانوا يحذقون زراعته وتطعيمه (تلقيم). لما حل الفينيقيون بالبلاد تولوا تطوير الفنون الزراعية وبخاصة غراسة شجر الزيتون. وفي هذا السياق، سخر العالم الزراعي القرطاجي ماجون (القرن 3 أو 2 قبل الميلاد) جزءا هاما من الموسوعة التي ألفها، للحديث عن طرائق زراعة الزيتون وفنونها من الغراسة إلى الجني، مثل حرث الأرض مرتين كل سنة، ونزع الأعشاب الطفيلية، والتشذيب مباشرة بعد الجني.... في العهد الروماني، شهدت البلاد انتشارا منقطع النظير لزراعة الزيتون عبر أرجاء البلاد، وشواهده الأثرية من بقايا معاصر لا تزال قائمة إلى يومنا.

الزيت والزيتون

﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ (النور، 35) لقد أثبت علم دراسة المتحجرات أن شجر الزبوس وهو الزيتون البري (الجالي) كان موجودا بتونس منذ الألف الثانية عشرة قبل الميلاد، وأن أسلافنا اللوبيين والنوميديين كانوا يحذقون زراعته وتطعيمه (تلقيم). لما حل الفينيقيون بالبلاد تولوا تطوير الفنون الزراعية وبخاصة غراسة شجر الزيتون. وفي هذا السياق، سخر العالم الزراعي القرطاجي ماجون (القرن 3 أو 2 قبل الميلاد) جزءا هاما من الموسوعة التي ألفها، للحديث عن طرائق زراعة الزيتون وفنونها من الغراسة إلى الجني، مثل حرث الأرض مرتين كل سنة، ونزع الأعشاب الطفيلية، والتشذيب مباشرة بعد الجني.... في العهد الروماني، شهدت البلاد انتشارا منقطع النظير لزراعة الزيتون عبر أرجاء البلاد، وشواهده الأثرية من بقايا معاصر لا تزال قائمة إلى يومنا. في العهد الوسيط، برزت جهة صفاقس بإنتاج زيت الزيتون بشهادة الجغرافي الأندلسي أبي عبيد الله البكري، صاحب المسالك والممالك، (القرن الحادي عشر م)، الذي ذكر أن صفاقس توجد وسط غابة من الزياتين، وكانت تمير زيتا كلا من مصر والمغرب وصقلية وبلاد الروم. بعد قرون من التلف والتراجع جراء انتشار الأنشطة الرعوية، وحصول عدد من الفتن والانتفاضات، شهدت غابة الزياتين بصفاقس تجددا غير مسبوق بقدوم المزارعين المستعمرين الذين أسهموا رفقة فلاحي صفاقس في ازدهار قطاع الزيتون والزيت بصفة مطردة ومتواصلة، اعتمادا على معارف العمل التي اكتسبها أبناء البلد على مر العصور. وقد تواصل هذا النشاط إلى أن غدا اليوم أهم نشاط زراعي بالبلاد التونسية على الإطلاق وبخاصة بجهة صفاقس. لقد راكم فلاحو صفاقس منذ عصور خلت معارف ومعارف عمل متعلقة بالفلاحة، مما مكنهم من تدجين طبيعة صعبة وطقس جاف، واستغلال أرض قليلة الأمطار بفضل غراسة الزياتين، معتمدين أساليب وطرائق حذقوها كابرا عن كابر. تتمثل تلك الطرق بالخصوص في غرس المشاتل باحترام مسافات منتظمة، تفصل الواحدة عن الأخرى لفسح المجال لكل منها لكي تمتص عروقها ما يكفيها من رطوبة الأرض، وحرث الأرض عدة مرات، وعزقها بواسطة محشة مجرورة، تهوّيها وتزيل عنها الأعشاب الطفيلية وتحد من التبخر، وشجب الشجر مباشرة بعد جني ثماره... لما قدم المعمر الفرنسي إلى جهة صفاقس في نهاية القرن التاسع عشر، انبهر بروعة غابات الزيتون ذات الأشجار المصطفة بانتظام صارم، في سطور مضبوطة وكأنها خُطت بمخط دقيق، فدخل معه في شراكة بعد أن اقتطع أراضي شاسعة طبقا للخطة التي أحكم بناءها المهندس بول بورد في تقرير وجهه إلى حكومة الاستعمار لتطوير غراسة الزيتون بالبلاد التونسية. ويقتضي العقد الذي يربط بين الطرفين أن يسهم المعمر بالأرض والمشاتل، والفلاح بالعمل وبمعرفة العمل، وبذلك تم إنشاء غابات من شجر الزيتون مما لا يحده بصر. لما تثمر الشجرة، تقسم الغابة مناصفة بين الطرفين، ذلك هو عقد المغارسة الذي ملّك عددا كبيرا من المزارعين من أبناء صفاقس حيازات زيتون (حوايز ومفردها حوازة) مترامية الأطراف، وأسهم في خلق الثروة بالمدينة. ينطلق موسم جني الزيتون في أوائل شهر نوفمبر ويتواصل طيلة عدة أشهر حسب أهمية الصابة. يصعد عمال الجني على سلالم مزدوجة (صرّافة)، وقد ألبسوا ثلاثة من أصابعهم، السبابة والوسطى والبنصر، قرون أكباش أعدت للغرض، ويشرعون في فصل حبات الزيتون عن أغصانها، فتتساقط فوق أغطية وضعت مسبقا تحت الشجر، وتتولى إثرها النساء فصل الحب عن الورق مستخدمين الغرابل (يذرّيوا). يُنقل الزيتون إلى المعاصر على العربات المجرورة أو في زنابيل كبيرة من الحلفاء (شواري)، على ظهور الجمال. في العهد الروماني، أوصى عالم زراعي يدعى فرّون بتجنب جني الزيتون باستخدام العصي (يسمّى اليوم تطميش) لأن ذلك يؤدي حسب رأيه إلى عقم الشجرة وإتلاف أغصانها، وينصح باستعمال القرون، وهي الوسيلة التي سادت إلى يومنا هذا. أما طريقة عجن الزيتون التي كانت رائجة إلى عهد قريب والتي تتم بالمعاصر، فهي تتمثل في طحن حبات الزيتون في طاحونة متكونة من جزء نائم وآخر قائم، يحركه حيوان في بادئ الأمر ثم عوضته لاحقا الطاقة الكهربائية، فيوضع العجين في الشوامي، وهي أوعية مصنوعة من الحلفاء، ترصف بدورها تحت المعصار حتى يستخرج الزيت منها. قديما، استخدم المعصار اللولبي، ثم عوضه المعصار الأسطواني أو المائي، وهو لا يزال قائما إلى اليوم، رغم منافسة الأنظمة الحديثة لعصر الزيتون التي تختصر الجهد والوقت، وتنتج زيتا رفيع الجودة.

اقرأ المزيد