التواصل الحضري التاريخي المعماري
الصناعات التقليدية
العمارة السكنية والفضاءات الثقافية
تعايش ديني حضري تاريخي
المتاحف وصفاقس والبحر‎
اكتشف

الجامع الكبير

شُيّد الجامع الكبير بصفاقس في القرن الثالث الهجري الموافق للقرن التاسع الميلادي (235/850)، في عهد الدولة الأغلبية، تزامنا حسب ما يؤكده المؤرخون، مع بناء أسوار المدينة المنيعة، ومجسدا مركزية نسيجها الحضري، باعتباره يحتل مكان التقاء جادتين متعامدتين، تخترقان المجال المديني شمالا جنوبا وشرقا غربا، وقد ظل المسجد الوحيد بالمدينة، الذي تقام فيه صلاة الجمعة إلى حدود منتصف القرن التاسع عشر.

الجامع الكبير

شُيّد الجامع الكبير بصفاقس في القرن الثالث الهجري الموافق للقرن التاسع الميلادي (235/850)، في عهد الدولة الأغلبية، تزامنا حسب ما يؤكده المؤرخون، مع بناء أسوار المدينة المنيعة، ومجسدا مركزية نسيجها الحضري، باعتباره يحتل مكان التقاء جادتين متعامدتين، تخترقان المجال المديني شمالا جنوبا وشرقا غربا، وقد ظل المسجد الوحيد بالمدينة، الذي تقام فيه صلاة الجمعة إلى حدود منتصف القرن التاسع عشر. يتكون بيت الصلاة فيه من جزأين متلاصقين نتيجة التحويرات التي شهدها عبر التاريخ، وهو مسقوف بواسطة أقبية متقاطعة ومحمولة على عقود متجاوزة مرفوعة بدورها على أعمدة من الرخام وتيجان جلها مجلوب من المواقع الأثرية المجاورة، إضافة إلى قبة المحراب وقبة البهو والمدخل الرئيسي المتقدم. أما الصحن، فهو متواضع الأبعاد لأن جزءا منه ضم حسب ما يبدو إلى بيت الصلاة في العهد العثماني (القرن 12/18)، ولكنه محاط برواق دائري (البهو)، تفتح فيه أبواب بيت الصلاة وهي أبواب خشبية ذات مصراعين أو أربعة، تزين كل واحد منها زخارف خاصة، تتضمن مفردات زهرية وأخرى هندسية مخرمة أو محفورة، تراوح بين النتوء والغور. بيت الصلاة هذا على درجة من الغرابة والطرافة لأنه يضم محرابين مجوفين: يعود الأول حسب المؤرخين إلى العهد الزيري وتحديدا إلى القرن الرابع (العاشر م.)، وهو اليوم متروك وشاهد على عصره، أما الثاني، فهو دون شك معاصر للتوسعة التي شهدها بيت الصلاة في العهد العثماني خلال القرن الثاني عشر (القرن الثامن عشر م.) والتي جاءت على دفعتين وأعطت مظهره الحالي. إن واجهة جامع صفاقس الكبير الشرقية لدليل على بهاء العمارة الإفريقية في العهد الزيري، حيث تتناوب فيها عقود صماء مزدوجة تعلو النوافذ والأبواب الخارجية ومشاك حجرية منحوتة في تعاقب بديع وأنيق، فضلا عن النقائش التأريخية التي توثق أشغال التهيئة. يعلو ساكف إحدى النوافذ لوح من الرخام يعود إلى العهد البيزنطي نحتت علية صورة طاووسين متناظرين حول سلة تنبعث منها طيور وغصينات تحمل عناقيد عنب. على يسار هذا اللوح، نقيشة تؤرخ لأشغال تهيئة الواجهة (988/378) إضافة إلى نقيشة ثانية تذكر اسم حمو بن مليل بوصفه مساهما فيها وتحمل تاريخا آخر (468/1085). أما الصومعة، فهي حسب ما يبدو معاصرة للواجهة الشرقية، وقد بُنيت على نسق مئذنة جامع القيروان ذات القاعدة المربعة، لكنها تمتاز ببديع بنائها وأناقتها، وهي تتركب من جذعين هرميين مسننين، تجمّلهما نقائش كتابية ذات خط كوفي، وزخارف نباتية وهندسية منفذة على الحجر، ويعلوهما جامور تغطيه قُـبَـيْـبة مُضلَّعة. يرى المؤرخون وقد أكدت الأسبار وأشغال الترميم قولهم أن الصومعة الحالية تلتف حول مئذنة سابقة ربما شيدت مع باقي مبنى الجامع في القرن الثالث الهجري. لقد تعلقت بهذا المعلم التاريخي الجليل الذي يبرز تجليات العمارة الإفريقية الأصيلة، بأناقتها وجماليتها المنبثقة من بهاء بساطتها واعتدال عناصرها وتناسق أبعادها، أساطير ظلت محفورة في خبايا الذاكرة الجمعية، تروي بطولات سكان المدينة عند مقاومتهم الاحتلال النورمندي، مستخدمين مواجله لصنع الأسلحة ونفقا يقال إنه كان يؤدي إلى خارج الأسوار.

اقرأ المزيد