التواصل الحضري التاريخي المعماري
الصناعات التقليدية
العمارة السكنية والفضاءات الثقافية
تعايش ديني حضري تاريخي
المتاحف وصفاقس والبحر‎
اكتشف

الصيد البحري

تحتل جهة صفاقس الضفة الشمالية لخليج ڤـابس حيث يمتد الجرف القاري من رأس كبودية شمالا إلى سواحل مدينة الصخيرة جنوبا، ولا تتخلل تضاريسه المنبسطة سوى القليل من الأخاديد والأودية، مما يولد حركة قوية بين المد والجزر، حركة استغلها الصيادون لزرع المصائد القارة وسلاسل من الدراين وهي فخاخ معمولة من شماريخ عراجين البلح. هذا البحر القصير كما يقال، كان قبل أن يصيبه ضرر التلوث الصناعي، يتسع لحقول كثيفة من الطحالب والبوزيدونيا التي كانت تشكل مجالا طبيعيا تتربى فيه الأسماك والقواقع والرخويات والقشريات وتتكاثر وتنموا.

الصيد البحري

تحتل جهة صفاقس الضفة الشمالية لخليج ڤـابس حيث يمتد الجرف القاري من رأس كبودية شمالا إلى سواحل مدينة الصخيرة جنوبا، ولا تتخلل تضاريسه المنبسطة سوى القليل من الأخاديد والأودية، مما يولد حركة قوية بين المد والجزر، حركة استغلها الصيادون لزرع المصائد القارة وسلاسل من الدراين وهي فخاخ معمولة من شماريخ عراجين البلح. هذا البحر القصير كما يقال، كان قبل أن يصيبه ضرر التلوث الصناعي، يتسع لحقول كثيفة من الطحالب والبوزيدونيا التي كانت تشكل مجالا طبيعيا تتربى فيه الأسماك والقواقع والرخويات والقشريات وتتكاثر وتنموا. يتخلل هذا الجرف أرخبيل قرقنة، أرخبيل الأحلام، وكأنه يطفو طفوا على سطح الماء وقد اشرأب نخيله إلى السماء ثم نزل جريدها مفردا أو حصرا يغرسها الصيادون في المياه القصيرة "شرافي" أو "زروب" أو "جمة"، قال عنها الجغرافي ابن حوقل في كتاب صورة الأرض (القرن العاشر م.): إن السمك "... يصاد بحظائر قد زربت وعملت في الماء فتأخذ بأيسر سعي" وتبعه الشريف الإدريسي (القرن الثاني عشر م.) وهو يقصد سكان الجهة: "... وأكثر صيدهم بالزروب المنصوبة لهم في الماء الميت بضروب من الحيل". ظل عدد من طرائق الصيد التقليدية قائمة إلى يومنا هذا، مثل الشرفية وهي مصيدة قارة، وعبارة عن حظيرة منتصبة في المياه القصيرة ومحاطة بجريد النخل في شكل مثلث قاعدته مفتوحة وقمته تنتهي بحجرات من الحصير، مجهزة بعدد من الدراين. مع مد البحر وجزره، يتبع السمك من صبارص واميلة وسردوك وغيره، النور المنبعث من فوهاتها، ويلجها فتنغلق عليه، ومن يوم إلى آخر يرفعها البحار راكبا زورقه، فيفرغ حصيلتها ثم يعيدها إلى مكانها. إذا كانت الشرفية تشتغل طوال السنة أو الجزء الأوفر منها، فإن الزروب التي قاربت الاندثار، هي مصيدة متنقلة وموسمية صيفية، تعمل من حصير الجريد وعراجين البلح والدراين، في شكل لا يختلف كثيرا عن شكل الشرفية وهي تستغل أيضا حركة المد والجزر، لتنتج ضربا من الصبارص، ينعت باسمها: "صبارص الزروب" وقد اشتهرت به منطقة سيدي منصور. أما الجمة، ولئن تتكون من جمع من الحصائر، فإن طريقة الصيد بها مختلفة تماما، إذ يحيط عدد من الزوارق بسرب السمك بعد حصره، ولما يجزر البحر، ينبري الصيادون لضرب المياه، فيهرع السمك من نوع المّيلة والبوري إلى الدراين. كانت توجد إلى عهد غير بعيد طريقة تقليدية أخرى لصيد سمك البوري على مقربة من الشواطئ، تُسمى "دمّاسة البر"، لكنها اندثرت اليوم، وهي تستغل طبيعة هذا السمك في القفز، وتتمثل في تخويف السمك ومطاردته بالصياح وضرب الماء بالعصي إلى أن يقفز في اتجاه حصيرين يطفوان على سطح الماء، على شكل زاوية حادة، تنغلق رويدا رويدا فيقفز السمك فوقهما. في أكثر عمق، يتخذ الصيادون "دماسة القد" لصيد البوري وتتكون من شبكتين، واحدة قائمة والثانية نائمة. تتمثل هذه الطريقة في إحاطة سرب السمك بالشبكة القائمة، وعندها يشرع الصيادون في ضرب الماء بالعصي من داخل الحظيرة، فيجبر السمك على القفز فوق الشبكة النائمة. أما القرنيط (الإخطبوط)، فمن طبيعته أن ينكمش على نفسه ليختبئ في كل فوهة تعترضه، فيستغل صيادو قرقنة هذه الفطرة وينصبون له مخابئ من كرب النخيل (كرناف) المغروس في قاع البحر ثم يتولون رفعه باللسكوم وهو مقبض خشبي طويل، في طرفه معقف حديدي، وللغاية نفسها يستعمل الصيادون حجر الحث (شخش)، فينقرونه ويحفرونه ثم بالقرنيط يرفعونه فوق زوارقهم. أما اليوم، فالطريقة السائدة تتمثل في إغراق سلاسل من الأوعية الفخارية (قارور) مشدودة إلى حبل طويل، يمكن من رفعها بكل يسر عند امتلائها. إن طرق الصيد البحري التقليدية مبنية على معرفة متراكمة ومتوارثة لخصائص البحر ولطبائع مختلف أنواع السمك وباقي الكائنات البحرية، فتستغل هذه وتلك لتنتج أفضلها في احترام تام وفطري للمحيط البحري، ولكن ما كانت هذه الطرائق فاعلة لولا وجود مراكب وزوارق صيد ملائمة. كانت قديما أشكال متعددة من المراكب تجوب سواحل صفاقس وقرقنة وكلها تسير بقوة الرياح أو بالمجاديف أو بعمود طويل يسمى قرية. أبسطها هو اللشتم وهو طوف يتكون من عدد من أخشاب النخيل، لا يتجاوز طولها الثلاثة أمتار، تشدها إلى بعضها البعض أعواد زيتون تتخللها، وقد كان صيادو قرقنة يطوفون بهذه الركوبة المندثرة المياه القصيرة عابرين إلى مصائدهم دونما عناء. أما المركب الأكثر انتشارا فهو "الفلوكة" التي ظلت إلى اليوم تشق عباب اليم بشراعها ذي الشكل المثلث، الشائع بالبحر المتوسط، ومقدمتها المدببة ومؤخرتها المستقيمة، مادة هيكلها ما بين سبعة وثمانية أمتار. لكن المركب الذي بقيت ملامحه عالقة بالذاكرة القرقنية الجمعية هو "اللود"، وقد كان سكان جزيرة جربة يشاركون أهالي قرقنة في استعماله في شتى الأغراض من صيد بحري ونقل بضائع وخاصة فخاريات ڤـلالة. يتراوح طول "اللود" ما بين تسعة و اثني عشر مترا، ويمتاز بعنبره المسطح إذ لا عارضة له، لذلك يُعد المركب الأكثر ملاءمة للإبحار والملاحة في المياه القصيرة. ومن خصائصه أيضا أن مقدمته ومؤخرته مدببتان والصاري لديه مائل إلى الوراء والشراع مستطيل الشكل وقد يُردف أحيانا بشراع إضافي عندما تمتنع الرياح عن الهبوب: "بانة" يقول البحارة. لما ظهرت المراكب المجهزة بالمحركات (" شقف")، وتطورت وسائل النقل في عمومها، تراجع استعمال "اللود"، سواء في الصيد أو في نقل المسافرين والبضائع، إلى أن اندثر تماما.

اقرأ المزيد