التواصل الحضري التاريخي المعماري
الصناعات التقليدية
العمارة السكنية والفضاءات الثقافية
تعايش ديني حضري تاريخي
المتاحف وصفاقس والبحر‎
اكتشف

العمارة السكنية بمدينة صفاقس العتيقة

إن العمارة السكنية المدينية شكل من أشكال تهيئة الإنسان للمجال الذي يعيش فيه وتشكيل خاصّ للفراغات بداخله، وهي نتيجة تحصيل معارف في فنون البناء والإنشاء وفي استحقاقات أنماط العيش ومتطلّباتها، إذ تمثل ثنائية متماسكة: هي في الوقت نفسه فضاء مبني، تجسمه معارف عمل إنشائية متراكمة طبقا لتخطيط مستبطن ومعلوم، وفضاء مسكون يحتضن العائلة الممتدّة بنمط عيش أفرادها وممارساتهم وتقاليدهم السكنية.

العمارة السكنية بمدينة صفاقس العتيقة

إن العمارة السكنية المدينية شكل من أشكال تهيئة الإنسان للمجال الذي يعيش فيه وتشكيل خاصّ للفراغات بداخله، وهي نتيجة تحصيل معارف في فنون البناء والإنشاء وفي استحقاقات أنماط العيش ومتطلّباتها، إذ تمثل ثنائية متماسكة: هي في الوقت نفسه فضاء مبني، تجسمه معارف عمل إنشائية متراكمة طبقا لتخطيط مستبطن ومعلوم، وفضاء مسكون يحتضن العائلة الممتدّة بنمط عيش أفرادها وممارساتهم وتقاليدهم السكنية. يرتكز المجال السكني بالمدينة العتيقة على التلاصق من خلال الجدران المشتركة بين الأجوار والتي تفصل بين عقارين وتوحّد بينهما في آن، مما يؤدي إلى انغلاق المسكن على نفسه وانفتاحه على داخله بفضل فناء مركزي يتوسط مختلف وحداته. أمّا الأبواب، فإننا لا نجد بالطابق السفلي ما يفتح منها على الواجهات الخارجية سوى باب المدخل وربّما باب المخزن، في حين تقتصر النوافذ على الطابق العلوي وعلى داخل الفناء السماوي في تناظر مع أبواب الغرف. يفتح باب المسكن على سـقيـفـة منكسرة، جزؤها الخارجي معد لاستقبال الزائرين من الأغراب بينما يفتح جزؤها الداخلي على رواق وحيد أو مزدوج يسمى مجنبة، وتلك سمة معمارية تنفرد بها دور مدينة صفاقس العتيقة. يمثل الرواق فضاء وسيطا باعتباره يشكل امتدادا للمرافق من مطبخ ومطهر ومذهب، ويسمح بالتنقل بينها دون المرور ضرورة من الفناء المكشوف. فضلا عن دوره الطبيعي في تنوير المسكن وتهويته، يؤدي الفناء وظائف هندسية واجتماعية، إذ تفتح فيه وتتوزّع حوله كل خلايا المسكن من غرف ومرافق، ويمثّل بالتالي فضاء عبور بينها لمختلف أفراد العائلة الموسعة. بعض الغرف مثلثة الشكل في عدد من البيوت الفاخرة (بيت بالتثليثة)، إذ تحتوي على إيوان يتوسط مقصورتين. أما أكثرها فهي مستطيلة الشكل، وتحدد مختلف الفضاءات داخلها عناصر خشبية مرسومة في العمارة وكأنها جزء منها، فتفصل بين تلك الفضاءات وتُسند إلى كل منها وظائفها المعهودة من إقامة ونوم. من تلك العناصر واجهات الأسرة (واجهة سرير) التي تفصل فـضاء النوم عـن باقـي الغـرفـة، وكذلك ما يسمى "بيت العود" وهو فـضاء قـليل العـمق، يقابـل السريـر وواجهـته، ويفصله عن باقي فضاء الغرفة جهاز من الخشب، له باب صغير مقوّس الشكل، وهو بمثابة خلوة معـدّة لحـفـظ بعـض الأغـراض كالأغطية والمساند. بالغـرف غـير المثلثة، وعلى الجدار المقابل للباب، يوجد في بعض الدور جهاز متكون من خزائن حائطية ومأطورات من الـرسوم عـلى الـزجاج (طارمة)، مرتـّبة بصفة تـناظرية حول ساعـة جدارية. لقد شهدت مدينة صفاقس في القرن التاسع عشر ازدهارا غير مسبوق لفن الرسم على البلور الذي ارتقت به عائلة الفرياني والذي تنهل أغراضه من المواضيع التقليدية المحفوظة بالذاكرة السردية الشفوية الجمعية مثل البراق وسيدنا عـلي وهـو يصارع رأس الغول، وخليفة الزناتي وعـنتر وعـبلة وأشكال كتابية أخرى. بمثل ذلك التخطيط، يصبح المسكن ذو الفناء المركزي ملائما لإيواء الأسرة الممتدّة ويعكس النظام القرابي المرتكز على قوّة العائلة الأبوية وسلطتها، وإذا سلّمنا بأن العائلة هي التي تنتج المجتمع، فإن المسكن والعمارة بصفة عامة هما اللذان ينتجان المدينة، وإذا ما تطوّرت العائلة، تطوّر المجتمع وتغيّرت العمارة والمدينة برمّتها. إن العمارة السكنية التقليدية بالمدن العتيقة نتاج تراكمي لحقب طويلة من الممارسات الإنشائية والسكنية ومن تحصيل بالتجربة والنقل والتداول لمعرفة العمل في فنون البناء وتخطيط العمائر، وهي وعاء لتلك المعارف والفنون والخبرات والمهارات الإنشائية، تنصهر فيها القيم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وتتأثر بالمعطيات الطبيعية.

اقرأ المزيد